إبراهيم ناجي
(1897م ـ 1953م) مولده ونشأته: ولد الشاعر إبراهيم ناجي بشبرا القاهرة في 31 كانون الاول سنة 1897م وهو حفيد الشيخ عبد اللـه الشرقاوي الكبير، تعلم في مدرستي باب الشعرية والتوفيقية، ثم تخرج في مدرسة الطب، وقد أُولع باقتناء الكتب فحوت مكتبته خمسة أو ستة آلاف من كتب الأدب والفكر والطب، والكثرة فيها من الكتب الانجليزية، وان منها كتباً فرنسية وألمانية، وقد تثقف بالعلوم الانجليزية والفرنسية والالمانية وحصل على الدرجات العلمية من انجلترة والمانية وهو يجيد هذه اللغات مع اللغة الايطالية إلى حد ما، وكان ذا قدرة وطلاقة عجيبة في المحاضرة في علوم مختلفة بلغات مختلفة، وكان أحمد شوقي أمير الشعراء يثق بالمترجم ثقة لاحد لـها، حتى كاد يكون طبيبه الخاص، وشاء القدر ان يمتهن هذا الشعوري المثالي الوثاب مهنة الطب، وان يودع دنيا الخيال إلى دنيا الواقع.
مواهبه وآثاره: لم يقف عند المعارف الطبية، بل نهل ما شاء لـه ان ينهل من المعارف العلمية والفلسفية حتى اصبح كالموسوعة المتنقلة، وقد عاش في جو العمل بروح الشاعر يقتني المال وينفع في الخير، ويجهد نفسه في الطب والصحافة، لا من أجل الجاه أو الشهرة الزائفة، لقد تحكمت العاطفة بهذا الشاعر المثالي، ولو تعادلت ارادته مع قواه الشعورية والفكرية لكان عظيماً بمواهبه، لقد كان مغرماً بالمطالعات الأدبية وسماع الموسيقي، وقد استهواه الشعر العربي الوجداني الشريف الرضي فحفظ ديوانه عن ظهر قلب. شعره:
لقد نظم الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره، يتدفق شعره من وحي قلبه ويروي به روحه وحواسه، ومن ابرز مزاياه قدرته على التصوير، ومنظوماته من طراز الموشحات يطيل فيها، وهي تحمل من الصور الرائعة ما يفتن به القلوب ويخلب الالباب، لقد نبغ قلبه الوداع في الحب، وفاض بالرحمة ومسّه الالم، وانطبعت في صفحته الحياة بصورها المختلفة، ومن قولـه البليغ:
ومن عجبٍ أحنو على السهم غائراًويسألني قلبي متى يرجع الراميولعمري فهذا البيت وحده يعدل ألف بيت من جيد الشعر. ولناحي شعور مرهف وحساسية دقيقة تنطبع فيها الخيالات والاشباح، وينطبع فيها الحزن والفرح والحنين والانين، ونرى في شعره الحب والشعر في نفسه قد امتزجا فصارا شيئاً واحداً.
وقد تحدث عن الشمم والكبرياء حديثاً يملأ النفس ويفعم القلب فقال:
أيخفيني العشب الضعيف أنا الذيأسلمت للشوك الممض أديميوإذا ونى قلبي يدق مكانهشممي وتخفق كبرياء هموميورجعت أحمل جعبتي متحدياًزمني بها وحواسدي وخصوميورفعت نحو اللـه رأساً ما انحنىبالذل يوماً في رحاب عظيم
وقد انقطع عن النظم بين عامي 1934 ـ 1938م وبعدها أخذ يعود إلى شدوه الاول وشجوه القديم، ينظم شعره كلما هاجته دواعي الشعر وهواجسه، ومن المؤسف ان لا يجمع شعره منذ سنة 1938م في ديوان يكون بأيدي محبي فنه، والمفتونين به من قرائه، بل أصدر ديوان شعره (وراء الغمام) وهو بعض ما جادت به قريحته، وفي ملحميته (الاطلال) و (ليالي القاهرة)، وكل منهما في حوالي الف بيت، وفي منظومته الرائعة الخالدة (انديميون)، ويدل على قوة شاعريته. وفاته:
كان هذا الطبيب الماهر لا يعرف في بعض الاحيان علاجاً لمرضه إلا التملي بمناظر البحر والنظر إلى السماء والتداوي بالاغاني، وفي سنة 1953م فجع الأدب بفقد شاعر عبقري مثالي.