محمد ذياب مشرف
عدد الرسائل : 84 تاريخ التسجيل : 01/04/2008
| موضوع: غزوة الخندق الجمعة أبريل 04, 2008 2:30 pm | |
| يشتمل على ملخص غزوة الخندق التي ابتلى الله فيها عباده المؤمنين و زلزلهم ، و ثبت الإيمان في قلوب أوليائه و أظهر ما كان يبطنه أهل النفاق ، و فضحهم و قرعهم . ثم أنزل نصره ، و نصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، و أعز جنده ، ورد الكفرة بغيظهم ، و وقى المؤمنين شر كيدهم ، و ذلك بفضله و منه . وحرم عليهم شرعاً و قدراً أن يغزوا المؤمنين بعدها ، بل جعل المغلوبين و جعل حزبه هم الغالبين ، والحمد لله رب العالمين . و كانت في سنة خمس في شوالها على الصحيح من قولي أهل المغازي والسير ، و الدليل على ذلك أنه لا خلاف أن أحداً كانت في شوال من سنة ثلاث ، و قد تقدم ما ذكره أهل العلم في المغازي أن أبا سفيان واعدهم العام المقبل بدراً ، و أنه صلى الله عليه و سلم خرج إليهم فأخلفوه لأجل جدب تلك السنة في بلادهم ، فتأخروا إلى هذا العام . قال أبو محمد بن حزم الأندلسي في مغازيه : هذا قول أهل المغازي ، ثم قال : و الصحيح الذي لا شك فيه أنها في سنة أربع ، وهو قول موسى بن عقبة ، ثم احتج ابن حزم بحديث ابن عمر : [ عرضت على النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد و أنا ابن أربع عشرة فلم يجزني ، وعرضت عليه يوم الخندق و أنا ابن خمس عشرة فأجازني ] . فصح أنه لم يكن بينهما إلا سنة واحدة فقط . قلت : هذا الحديث مخرج في الصحيحين و ليس يدل على ما ادعاه لأن مناط إجازة الحرب كانت عنده صلى الله عليه و سلم خمس عشرة سنة ، فكان لا يجيز من لم يبلغها ، و من بلغها أجازه ، فلما كان ابن عمر يوم أحد ممن لم يبلغها لم يجزه ، ولما كان قد بلغها يوم الخندق أجازه ، و ليس ينفي هذا أن بلوغه قد زاد عليها بسنة أو بسنتين أو ثلاثاً أو أكثر من ذلك . فكأنه قال : عرضت عليه يوم الخندق و أنا بالغ أو من أبناء الحرب . و قد قيل : إنه كان يوم أحد في أول الرابعة عشرة من عمره و في يوم الخندق في آخر الخامسة عشرة ، و في هذا نظر ، والأول أقوى في النظر لمن أمعن و أنصف ، و الله أعلم . و كان سبب غزوة الخندق أن نفراً من يهود بني النضير الذين أجلاهم صلى الله عليه و سلم من المدينة إلى خيبر كما قدمنا و هم أشرافهم : كسلام بن أبي الحقيق ، وسلام بن مشكم ، و كنانة بن الربيع و غيرهم ، خرجوا إلى قريش بمكة فألبوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و وعدوهم من أنفسهم النصر ، فأجابوهم ، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فأجابوهم أيضاً ، و خرجت قريش و قائدهم أبو سفيان بن حرب ، و على غطفان عيينة بن حصن ، كلهم في نحو عشرة آلاف رجل . فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بمسيرهم إليه أمر المسلمين بحفر خندق يحول بين المشركين و بين المدينة ، و كان ذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فعمل المسلمون فيه مبادرين هجوم الكفار عليهم ، وكانت في حفره آيات مفصلة يطول شرحها ، و أعلام نبوة قد تواتر خبرها ، فلما كمل قدم المشركون ، فنزلوا حول المدينة كما قال تعالى : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم . و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فتحصن بالخندق و هو في ثلاثة آلاف على الصحيح من أهل المدينة . و زعم ابن إسحاق أنه إنما كان في سبعمائة . و هذا غلط من غزوة أحد ، و الله تعالى أعلم . فجعلوا ظهورهم إلى سلع . و أمر صلى الله عليه و سلم بالنساء و الذراري ، فجعلوا في آطام المدينة ، و استخلف عليها ابن أم مكتوم رضي الله عنه . و انطلق حيي بن أخطب النضري إلى بني قريظة ، فاجتمع بكعب بن أسد رئيسهم ، فلم يزل به حتى نقض العهد الذي كان بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و وافق كعب المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فسرو ا بذلك . و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم السعدين : ابن معاذ ، و ابن عبادة ، و خوات بن جبير ، وعبد الله بن رواحة ، ليعرفوا له هل نقض بنو قريظة العهد أو لا ، فلما قربوا منهم و جدوهم مهاجرين بالعداوة و الغدر ، فتسابوا و نال اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فسبهم سعد بن معاذ ، وانصرفوا عنهم . و قد أمرهم صلى الله عليه و سلم إن كانوا نقضوا أن لا يفتوا بذلك في أعضاد المسلمين ، لئلا يورث وهناً ، و أن يلحنوا إليه لحناً ـ أي لغزاً ـ فلما قدموا عليه ، قال : ما وراءكم ؟ قالوا : عضل و القارة ، يعنون غدرهم بأصحاب الرجيع ، فعظم ذلك على المسلمين ، واشتد الأمر ، وعظم الخطر ، وكانوا كما قال الله تعالى : هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . و نجم النفاق و كثر ، واستأذن بعض بني حارثة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذهاب إلى المدينة لأجل بيوتهم ، قالوا : إنها عورة ، و ليس بينها و بين العدو حائل ، وهم بنو سلمة بالفشل ، ثم ثبت الله كلتا الطائفتين. و ثبت المشركون محاصرين رسول الله صلى الله عليه و سلم شهراً ، ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال الله به م ن الخندق بينه و بينهم ، إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري و جماعة معه أقبلوا نحو الخندق ، فلما و قفوا عليه قالوا : إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تعرفها ، ثم يمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فاقتحموه و جازوه ، و جالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق و سلع و دعوا للبراز ، فانتدب لعمرو بن عبد ود علي بن أبي طالب رضي الله عنه فبارزه فقتله الله على يديه و كان عمرو لا يجاري في الجاهلية شجاعة ، وكان شيخاً قد جاوز المائة يومئذ ، وأما الباقون فينطلقون راجعين إلى قومهم من حيث جاؤوا ، وكان هذا أول ما فتح الله به من خذلانهم . وكان شعار المسلمين تلك الغزوة ( حم ، لا ينصرون ( .. و لما طال هذا الحال على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصالح عيينة بن حصن و الحارث بن عوف رئيسي غطفان ، على ثلث ثمار المدينة و ينصرفا بقومهما ، و جرت المراوضة على ذلك و لم يتم الأمر حتى استشار صلى الله عليه و سلم السعدين في ذلك فقالا : يا رسول الله إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً و طاعة و إن كان شيئاً تصنعه لنا فلقد كنا نحن و هؤلاء القوم على الشرك بالله و عبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له و أعزنا بك و به نعطيهم أموالنا ؟ و الله لا نعطيهم إلا السيف . فقال صلى الله عليه و سلم : ( إ نما هو شيء أصنعه لكم ( و صوب رأيهما في ذلك رضي الله عنهما ، ولم يفعل من ذلك شيئاً . ثم إن الله سبحانه وله الحمد صنع أمراً من عنده خذل به بينهم و فل جموعهم ، و ذلك أن نعيم بن مسعود بن عامر الغطفاني رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت ، فقال صلى الله عليه و سلم : إنما أنت رجل واحد فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة . فذهب من حينه ذلك إلى بني قريظة ـ و كان عشيراً لهم في الجاهلية ـ فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال يا بني قريظة ! إنكم قد حاربتم محمداً ، و إن قريشاً إن أصابوا فرصة انتهزوها ، و إلا شمروا إلى بلادهم و تركوكم و محمداً فانتقم منكم . قالوا : فما العمل يا نعيم ؟ قال : لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن . قالوا لقد أشرت بالرأي . ثم نهض إلى قريش فقال لأبي سفيان و لهم : تعلمون ودي و نصحي لكم ؟ قالوا نعم . قال : إن يهود ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد و أصحاب ه ، و إنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم . ثم ذهب إلى قومه غطفان فقال لهم مثل ذلك . فلما كان ليلة السبت في شوال بعثوا إلى يهود : إنا لسنا بأرض مقام فانهضوا بنا غداً نناجز هذا الرجل ، فأرسل إليهم اليهود : إن اليوم يوم السبت ، و مع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهناً ، فلما جاءهم الرسل بذلك قالت قريش : صدقنا و الله نعيم بن مسعود ، و بعثوا إلى يهود : إنا و الله لا نرسل لكم أحداً فاخرجوا معنا ، فقالت قريظة : صدق و الله نعيم ، و أبوا أن يقاتلوا معهم . و أرسل الله عز وجل على قريش ومن معهم الخور و الريح تزلزلهم ، فجعلوا لا يقر لهم قرار ، و لا تثبت لهم خيمة و لا طنب ، ولا قدر و لا شيء . فلما رأوا ذلك ترحلوا من ليلتهم تلك . و أرسل صلى الله عليه و سلم حديفة بن اليمان يخبر له خبرهم ، فوجدهم كما وصفنا ، و رأى أبا سفيان يصلي ظهره بنار ، و لو شاء حذيفة لقتله ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلاً فأخبره برحيلهم . فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم غدا إلى المدينة و قد وضع الناس السلاح فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله علي ه و سلم و هو يغتسل في بيت أم سلمة ، فقال : أوضعتم السلاح ؟ أما نحن فلم نضع أسلحتنا ، انهض إلى هؤلاء ، يعني بني قريظة | الفصول في السيرة
|
| |
|